GuidePedia

0

مفهوم الجوهر

من إعداد :  عبد السلام البجيري 
أســتـــاذ  : مادة الفلسفة مدينة تنغير
2017/01/28  - 20:30 م
 لم يولد مفهوم الجوهر مكتملا وجاهزا ، شأنه في ذلك شأن جميع المفاهيم الفلسفية، وكل أشياء الوجود. فالموجودات جميعها تجتاز منعرجات ومراحل صعبة لتحقيق الكمال والتطور في سبيل البقاء. ولكي تكون كذلك فلا بد لها من التوفر على قدرات المقاومة التي تجعل منها كائنات قادرة على الصمود والوقوف في وجه المنافسات والتكيف مع التحديات التي تعيق بقاءها. فهذا الأمر ينطبق حتى على والمصطلحات المفاهيم الفلسفية خاصة ، لأن كثيرا من المفاهيم تم إلغاؤها لأنها لم تفلح في فرض نفسها ، كما أنها لم تستطع التلاؤم مع مهمات تفرضها تقلبات مفاجئة يواجهها تاريخ الفلسفة ، أو تفرضها مقتضيات التبليغ اللغوي. 1 كثيرة هي المفاهيم التي تم إلغاؤها من القاموس الفلسفي من قبيل الأيس و الليس والإنية والمحايثة - خاصة في الفلسفة العربية الإسلامية -. فتطور المفهوم من شأنه أن يصحبه بروز نظرية ما ، ويتم هذا التطور في بيئة متنوعة من المفاهيم ذات القرابة الدلالية المتشابكة التي تساهم بشكل كبير ، وفي الآن ذاته في دعم وجوده و إضفاء اللبس عليه. فاللبس الذي يكتنف مفهوم الجوهر يمكن ارجاعه إلى التباسه بمفهوم الماهية من جهة ، ومفهوم الوجود من جهة أخرى. إن هذه الأمور هي التي سنتطرق إليها في الفصلين الأخيرين اللذين خصصناهما للحديث عن نظرية الجوهر عند ديكارت . وفيهما سنرى كيف تطور مفهوم الجوهر منذ اليونان إلى ديكارت باعتباره يشكل بداية الفترة الحديثة . إن الجوهر هو كل ما قام بذاته ، أي ما خلقت عليه جبلته (طبيعته). وهو المقولة الأولى من مقولات المعلم الأول ، و به تقوم الأعراض و الكيفيات و يقابل العرض.2 و هو كذلك المبدأ الأول الذي لا يقبل التحول الكامن في الأشياء الموجودة. والذي يظل قائماً دون مساس في التحولات ، متميزاً بذلك عن الأشياء والظواهر العينية المتحولة. والجوهر الأعم والأعمق ، الذي لا يقوم سببه وأساسه على شيء آخر ، وإنما على ذاته. ويقال بأن الجوهر النفيس هو الذي تتخذ منه الفصوص و نحوها. وجوهر السيف فرنده . وقيل الجوهر هو الأصل ، أي أصل المركبات.3 والجوهر عند الفلاسفة يطلق على معان كثيرة منها : الموجود القائم بذاته حديثاً كان أو قديماً ، ويقابله العرض. ومنها الذات القابلة لتوارد الصفات المتضادة عليها. ومنها الماهية التي إذا وجدت في الأعيان كانت لا في الموضوع. ومنها الموجود الغني عن محل يحل فيه .4 وتأخذ المثالية الجوهر على أنه الله ، العقل الكلي ، الفكرة... وفي مذهب الوحدة أو وحدة الوجود فالله متوحد مع الطبيعة . أما الماديون فيأخذون الجوهر على أنه شيء مادي. والمادة هي وحدها الجوهر الحقيقي الذي به تفسر أحوال النفس ، ويعتبر الوعي أو العقل عنصراً ثانوياً أو مشتقاً من المادة وتقبل النظريات الثنائية بالجواهر الثنائية مادياً ومثالياً ، فكل منهما مرادف أو معادل للآخر بصورة تامة ، وفي هذا الصدد يصطدم بفكرة الجوهر ذاتها. في حين ترفض المادية الجدلية فكرة أي جوهر غير قابل للتحول ، موحد ، متجانس. و تعتقد أن المادة التي توجد في الحركة و تتطور باستمرار هي وحدها الجوهر الفعلي والحقيقي ، وهي أيضاً أساس العالم. أما الجوهر عند المتكلمين ، فهو الجوهر الفرد المتحيز والذي لا ينقسم. فأما ما ينقسم فهو لا يعتبر جوهراً ، وإنما يحمل عليها غيرها بالقياس إلى الجوهر الأول. أما الظواهريون (الظاهراتية) فإنهم يبطلون معنى الجوهر ، ويعتبرون الموضوع الذي تحمل عليه الصفات قائماً بهذه الصفات وحدها ، لا شيء آخر غيرها . والجوهر الأول ، هو الكائن المفرد ، المتعين من حيث هو موضوع مباشر لما يحمل عليه من الصفات ، سواء سلبياً أو إيجابياً. وعندما نقول " كائن متعين " فإننا نقصد به على سبيل المثال قولنا " هذا الفرس ، هذا الطالب ...". أما الجوهر الثاني ، أو الجواهر الثواني ، فهي ما يمكن أن يكون موضوعاً لقضية ما، بمعنى الكليات التي يحمل عليها غيرها ، مثل الإنسان والحيوان ، والنحاس ، والذهب ، وغيرها من الكليات. فهي ليست بجواهر حقيقية ، وإنما هي جواهر تقال على سبيل التماثل ، أو لأنها جاءت من ناحية أنه يحمل عليها غيرها بالقياس إلى الجوهر الأول . أما المبدأ الذي يقوم عليه الجوهر فهو القول بأنه لكل صفة جوهراً يحملها. و مبدأ دوام الجوهر هو القول إن وراء كل تغير شيئاً ثابتا لا تزيد كميته في الطبيعة ولا تنقص. والجوهرية هي المذهب أو النظرية التي تسلم بوجود جوهر واحد أو أكثر. وهي كذلك تدل على الكيفية التي يوجد بها من حيث هو موجود ، أي من حيث هو شيء قائم بذاته ، وهي ضد الظاهراتية.
 يتبع... ............................
المراجع المعتمدة : 
1-محمد المصباحي، "تحولات في تاريخ الوجود و العقل،بحوث في الفلسفة العربية الإسلامية"، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى.ص182.
2-إبراهيم مدكور،"المعجم الفلسفي" القاهرة، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية1403هج-1983مص64 .
3-جميل صليبا،"المعجم الفلسفي "، الجزء الأول، دار الكتاب اللبناني، بيروت-لبنان.1982م،ص424 .
4-مرجع ساق،ص424.
5-مرجع سابق،ص426.

إرسال تعليق

 
Top